«كن جريئاً فى استخدام عقلك».. هذا هو الشعار الذى رفعه الفيلسوف إيمانويل كانط فى واحد من أهم المقالات الفلسفية على مدار التاريخ، «ما هو التنوير؟»، مقال صغير الحجم، عظيم القيمة، بالغ الأهمية، نشره كانط سنة 1784 فى مجلة برلين، لابد أن يقرأه كل من يريد أن يخرج من هذا النفق المعتم، لابد أن يستوعبه كل من يريد الإجابة عن سؤال «كيف تقدمت أوروبا، وكيف نهض الغرب؟»، إنه العقل والتنوير.

بالطبع لن أنشر المقال كله ولكننى سأقتبس فقط أهم الفقرات التى تنفعنا الآن كمفاتيح لأبوابنا الموصدة، التى هى، كأى نص عبقرى مهم، تتحدى وتتجاوز الزمن، وكأنها تتحدث عن زمننا الآن، يقول كانط عن الثورة: «بإمكان الثورة أن تسقط الاستبداد الفردى، والاضطهاد المستغل، ولكنها لن تأتى أبدا بإصلاح حقيقى لطريقة التفكير، بل تولّد، بالعكس، أحكاما مسبقة جديدة تشكل مع الأحكام المسبقة القديمة أسواراً تفصل الثورة عن الجموع الكبيرة المحرومة من التفكير»، لو ترجمنا كلام كانط للغة الحاضر المصرية سنقول إن إسقاط مبارك كان أسهل الخطوات رغم صعوبته، لكن يبقى الأصعب الأهم هو إسقاط طرق التفكير القديمة المستهلكة، وتنوير العقول المظلمة التى عشش فيها عنكبوت الجهل، ولن يحدث هذا إلا بالتنوير، لكن ما هو التنوير؟!

يجيب الفيلسوف كانط عن هذا السؤال بقوله «التنوير هو خروج الإنسان من حالة القصور التى يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها، والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر عند الإنسان دون قيادة الآخرين، والإنسان القاصر مسؤول عن قصوره لأن العلة فى ذلك ليست فى غياب الفكر، وإنما فى انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، خارج قيادة الآخرين، لتكن تلك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك: ذلك هو شعار التنوير».

إنها الوصاية، العفن والطحالب التى تخنق براعم التفكير وحرية التعبير، إنها الوصاية التى يرفضها هذا الفيلسوف التى لابد أن ترفضها أنت، الثورة رفضت وصاية الديكتاتور، الأهم أن ترفض وصاية الفاشيين الذين يرهبوننا باسم الدين، القصور الذى يتحدث عنه كانط هو قصور الطائر السجين الذى عندما تفتح له القفص لن يستطيع التحليق، لأن أجنحته قد ضمرت، وبوصلة عقله التى تستطيع توجيه دفة الطيران واتخاذ قرار التحليق قد أصابها الصدأ من فيروس الخوف، بذلك سيظل هذا الطائر حبيس المكان لا يبرحه، يبحث عن مساعدة وعون مأمور السجن الذى أطلق سراحه، لن يكون أمام جلاده إلا حبسه فى القفص من جديد.

فى علم أمراض الذكورة يقع بعض الأطباء فى خطأ قاتل يعتبر جريمة وخطيئة طبية، وهو إعطاء جرعات هرمون التستوستيرون الذكرى بكميات كبيرة لشخص لا يحتاجه ودون إجراء تحاليل تثبت انخفاضه، تتعود الخصية على هذا الهرمون الخارجى ويصيبها الكسل، ثم تعقد الدهشة لسان الرجل عندما يجرى تحليلاً فيجد الرقم صفراً!!، ضمرت رجولته نتيجة الهرمون الخارجى، كذلك العقل تضمر خلاياه نتيجة الوصاية الخارجية!

كن جريئاً فى استخدام عقلك حتى لا يتحول إلى زائدة دودية وظيفتها أن تنفجر فى أحشائك كأصبع الديناميت وتنتهى بغرغرينا، كن جريئاً فى استخدام عقلك ولا تخف من العثرات، فالطفل الذى يحبو لن يتعلم المشى إلا من خلال تلك العثرات، كن جريئاً فى استخدام عقلك ولا تسلمه مفروشاً تسليم مفتاح لأتباع راسبوتين بدعوى أنهم يفهمون أفضل منك، وأن عقلهم دائماً على الزيرو، أما عقلك فمستعمل.. استخدام رجل قاصر!

كن جريئاً فى استخدام عقلك ولا تحوله إلى مخزن أرشيف لأوهام وأساطير.